السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
( كن في الدنيا كأنك غريب ، أو عابر سبيل ) ( 1 ) ، فهي كلمة موجزة بليغة من جوامع كَلِمِه صلى الله عليه وسلم ، وهي نصيحة ثمينة غالية منه عليه الصلاة والسلام ، وقد اجتمع في هذه الكلمة صحة الفكرة ، وعمق المعنى ، وروعة الأسلوب ، وجمال الصورة ، فالغريب الذي قدم بلداً غير بلده ، لا مسكن له فيه يؤمه ، ولا أحد من الأهل والأولاد والأصدقاء يواسيه ويؤانسه ، فلا شك أنه يشعر بالوحشة والغربة ، ويتمنى العودة إلى الأهل والأوطان ، وكذلك الإنسان الذي انتقل من هذه الدار – دار الفناء – وأصبح في دار البقاء ، لا يبقى له طمع في جمع المال وتكديس الثروات ، ويصبح همَّه في نيل رحمة الله ورضوانه ، ويتمنى العودة إلى الدنيا ليكثر فيها من صالح الأعمال ، فلا ينبغي أن يتعلق الإنسان بالدنيا ، ولا أن يجعلها أكبر همَّه ، ولا أن يقصر نفسه عليها ، ولكن هذا لا يعني أن ينقطع عن الحياة الدنيا أو أن يستغني عنها ، بل ينبغي أن يكون شأنه فيها شأن الغريب أو عابر السبيل ، فلا يكون واقعه المؤقت مستولياً على فكره كله شاغلاً إياه التفكير عن مستقره في دار إقامته وعن مستقبله هناك ، فما أجملها من نصيحة ، وما أكرمها من قولة .
(1) رواه البخاري ، كتاب الرقاق 11/ 233